الخطبة الأولى:
عباد الله! كلما توسعت أبواب الشر، لزمنا بذل الجهد في فتح أبواب الخير؛ فكلما
تيسرت على الناس المعاصي، لزمنا بذل الجهد في سبيل الفضيلة. وإذا نظر المرء إلى الشهوات والرغبات في أيامنا هذه، تعجب من اختلاف الوسائل المستخدمة في تحريكها وإثارة هذه الشهوات. إن عيون المتدينين كأنها تقطعها الصور (الفاضحة) التي تتلألأ في كل مكان، وتختلط وتتبادل الحديث بين الرجال والنساء، والنساء غير الملتزمات بالحجاب في حضور أقاربهن، وفي المستشفيات، والمكاتب، والسفر، وغير ذلك؛ هذه المظاهر هي التي أججت نار الشهوات وأشعلت لهيبها. “يسأل الناس أين يذهبون وما العلاج بعد أن ثارت شهواتهم وأهواؤهم، بينما يواصل اليهود وحلفاؤهم بذل كل جهد ممكن لزيادة شدة هذه النار أكثر فأكثر. يريد الله أن يقبل توبتكم، ولكن الذين يتبعون أهوائهم يريدون أن تنحرفوا إلى انحراف عظيم، ويريد الله أن يخفف عنكم المصاعب؛ وقد خلق الإنسان ضعيفًا، ضعفه بسبب الاستسلام لشهواته وأهوائه، مما يؤدي به إلى الهلاك.
أيها الإخوة! الحمد لله الذي جعل الإسلام دينًا كاملاً كاملاً، من جميع النواحي. وهناك بعض الأعمال التي تعمل كإجراءات وقائية قبل حدوث أي شر. فمثلاً غض البصر من باب الاحتياط، كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ… وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ…} (النور: 30-31).
كما أن المرأة تنجذب إلى الرجال، مع أن الرجال أشد انجذاباً وتأثراً بالنساء؛ ومن هنا فإن تحريم اختلاط الرجال بالنساء مثال آخر على الرادع.
أيها المسلمون الأعزاء! ألا ترون أن انتشار المحرمات يوجب علينا إعادة النظر في مسألة الزواج وتسهيله؟ إن الفساد يقترب منا من كل جانب، إذ يبدو أن ما كان لدينا على الأرض لم يكن كافياً، وأنهم (الكفار) هاجمونا حتى من السماء (أي عن طريق الأقمار الصناعية). “لقد نشروا الشر في كل مكان، حتى أن المراهقين يتعرضون للمحرمات من خلال القنوات الفضائية، وربما يشاهدون الأفلام الإباحية، ويشاهدون نساء عاريات أو شبه عاريات على شاشات التلفاز، فما هو الحل إذن؟
أيها الإخوة الكرام! يجب أن نخطو خطوات ثابتة نحو تيسير الوسائل المشروعة في هذا الصدد. فلنتحدث عن موضوع السن المعقول والمناسب للزواج، على سبيل المثال. هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة بين الناس حول هذا الموضوع، والتي نتجت عن دعاية الغرب من خلال أفلامهم ومقالاتهم في المجلات والصحف. الإسلام لا يحرم تزويج الابنة في سن مبكرة، ولا يبيح إجبارها على الزواج. وهناك أمر آخر يجب أن نلاحظه وهو أنه لا بأس أن تكون المرأة أكبر سناً من الرجل الذي يتزوجها.
ماذا يأمر الإسلام؟ “قال النبي صلى الله عليه وسلم: “”إذا خطب إليك من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن في الأرض فساد وفساد عريض”” هذا في كيفية اختيار الرجل، أما في كيفية اختيار المرأة فقد قال صلى الله عليه وسلم: “”تزوجوا من ترضون دينها”” هذا هو الزواج البسيط، فلا ينبغي أن يكون هناك تعقيد بسبب السن، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها وهي تكبره بخمس عشرة سنة، وتزوج عائشة رضي الله عنها وهي أصغر منه سناً بكثير.””
إن التوافق الديني والأهلية من الأمور المهمة جدًا، لأن الإنسان العاصي لا يصلح لامرأة صالحة، كما قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوِيانِ} (السجدة: 18). لذلك، لا يُعَدُّ تزويج الولي لابنته أو أخته الصالحة من رجل فاجر إخلاصًا منه، لأنه ببساطة غير مؤهل، وأيضًا لأن الإسلام جعل وليًا (للفتاة) لصحة العقد، حتى يحفظها ويرعى مصلحتها. فلماذا لم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مال الرجل أو سيارته أو بيته عندما وضع شرط قبول الرجل المتقدم للزواج؟ ومن مسئولية الولي أن يتحرى حال الرجل المتقدم لخطبة ابنته، لأن كثيرًا من حالات الطلاق تقع بسبب عدم تفتيش الولي للرجل أو السؤال عنه قبل الزواج.